الفلسفة والعلم سيظلان دوما مصدرين أساسيين للمعرفة، كل بطبيعته وطريقته ومجاله، وتكمن أهمية طرح هذه المسألة من خلط الكثير من المثقفين وطلاب العلم بين هذين المجالين، وبالتالي ربما يخلطون بين الأمر المحسوم والأمر غير المحسوم، بين الثابت والمتغير، بين ما يقبل النزاع والجدال والاختلاف، وبين ما لا يقبل النزاع والاختلاف، ونحن نعني بالعلم ما هو قطعي لا خلاف عليه، ونعني بالفلسفة كل موضوع وقضية مازالت موضعا للرد والقبول، ومن هنا كان لابد من بيان مساحات الاتصال والانفصال بينهما.
التناول الفلسفي يختلف عن التناول العلمي، وإذا كان الأمر كذلك فلا شك أن طبيعة المعرفة الفلسفية النابعة من تلك المعالجة تكون مختلفة عن تلك التي تنبع من معالجة أخرى.
وباختصار فقد حدد الفلاسفة مجموعة من المواصفات تتسم بها المعرفة الفلسفية وهي بمنزلة مميزات لها عن غيرها، وأبرزها:
1ـ الكلية: ومعنى ذلك أنها معرفة بكليات القضايا والأشياء وأمهات مسائلها وقواعدها وعللها، والجزئيات تقصد وتطلب في البحث الفلسفي بمقدار ما تخدم في توضيح قضية كلية أو البرهنة عليها.
2ـ الشمول: يقول دومينيك بارودي الفيلسوف الفرنسي: «المهم في الفلسفة هو الجهد المبذول في سبيل الوصول إلى تأليف شامل أو مركب كلي، فالفلسفة معرفة تأملية وتوحيدية معا»(1) .
3ـ العقلية: لأن العقل أداة المعرفة الوحيدة في الفلسفة، كما أن الوحي هو الوسيلة في المعرفة الدينية، والاختبارات هي الوسيلة في المعرفة العلمية، وكما أن الخيال والعاطفة هما الوسيلة في المعرفة الفنية وإبداعاتها، فإن الفلسفة تستند إلى العقل والتأمل.