هل يحتفل المسلم برأس السنة الميلادية؟
المقدمة:
الحمد لله وحده، والصَّلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اعتاد كثير من أبناء المسلمين تقليدَ أهل الكفر المشركين في الاحتفال بيوم رأس السَّنة الميلادية، وكأنه عيد للمسلمين، بل يحتفلون به أكثر مما يحتفلون بعيدَي الإسلام، الفِطر والأضحى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهذا الاحتفال فيه مُشابهة لأهل الكفر في الاحتفال بما يحتفلون به، وقد نُهينا عن مُشابهتهم والتشبُّه بهم فيما هو من خصائصهم؛ والأعياد من أخصِّ الشرائع.
وهذا الاحتفال فيه تشريع عيد لم يأذَن به الله؛ فالله شرَع لنا عيدين - الفِطر والأضحى- وأبْدَلنا بأعياد الجاهلية عِيدين، فكيف نشرع عيدًا زائدًا من عند أنفسنا؟!
والبعض يدَّعي أن الاحتفال برأس السنة احتفالٌ وليس عيدًا، والبعض يدَّعي أن الأعياد من قبيل العادات، والأصل في العادات الإباحة، والبعض يدَّعي أن الاحتفال برأس السنة وإن كان النصارى هم الذين سَنُّوه، فلم يعُد هذا العيد من خصائصهم، فلا بأس بالاحتِفال به؛ ولذلك أردتُ بهذه الكلمة التنبيه على حُرْمة مِثل هذا الاحتفال، والرد على مَن أجازَه، والله المستعان.
مفهوم العيد:
العيد: كل يوم فيه جَمْع، واشتِقاقه من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه؛ وقيل: اشتِقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه، والجمع أعياد لزِم البَدَل، ولو لم يَلزَم لقيل: أعواد؛ كريح وأرواح؛ لأنه من عاد يعود، وعيَّد المسلمون: شهِدوا عيدهم؛ قال العَجَّاج يصِف الثور الوحشي:
واعتاد أرباضًا لها آريُّ
كما يعود العيدَ نصرانيُّ
فجعل العيد من عاد يعود؛ قال: وتَحوَّلت الواو في العيد ياء لكسرة العين، وتصغير عيد عُيَيْد، ترَكوه على التغيير، كما أنهم جمَعوه أعيادًا، ولم يقولوا: أعوادًا؛ قال الأزهري: والعيد عند العرب: الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن، وكان في الأصل العِوْد، فلما سكنت الواو وانكسَر ما قبلها صارت ياء، وقيل: قُلبت الواو ياء ليفرِّقوا بين الاسم الحقيقي وبين المصدري.
قال الجوهري: إنما جمِع أعياد بالياء للزومها في الواحد، ويقال للفَرْق بينه وبين أعواد الخشب، ابن الأعرابي: سُمِّي العيد عيدًا؛ لأنه يعود كل سنة بفرَحٍ مُجدَّد[1].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "العيد اسم لِما يَعود من الاجتِماع العام على وجه مُعتاد، عائد: إما بعَوْد السنة، أو بعَود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك"[2].
سبب تسمية العيد بهذا الاسم:
قال أبو الفضل بن عياض: "سمِّي العيد عيدًا؛ لأنه يعود ويتكرَّر لأوقاته، وقيل: يعود به الفَرح على الناس، وكلاهما مُتقارِب المعنى، وقيل: تفاؤلاً؛ لأنه يعود ثانية على الإنسان"[3].
وقال ابن عابدين: "سمِّي العيد بهذا الاسم؛ لأن لله - تعالى - فيه عوائد الإحسان، أي: أنواع الإحسان، العائدةَ على عباده في كل عام، منها: الفِطر بعد المنع عن الطعام، وصَدقة الفطر، وإتمام الحج بطواف الزيارة، ولحوم الأضاحي وغير ذلك، ولأن العادة فيه الفرح والسرور والنشاط والحُبور غالبًا بسبب ذلك"[4].
وقال علي القاري:"قيل: إنما سمِّي العيد عيدًا؛ لأنه يعود كل سنة، وهو مُشتقٌّ من العِوْد، فقلبت الواو ياءً؛ لسكونها وانكسِار ما قبلها، وفي الأزهار: كل اجتماع للسرور، فهو عند العرب عيدٌ؛ لعَود السرور بعَوده، وقيل: لأن الله - تعالى - يعود على العباد بالمغفرة والرحمة؛ ولذا قيل: ليس العيد لمَن لبِس الجديد، إنما العيد لمن أمِن الوعيد، وجمْعه أعياد، وإن كان أصله الواو لا الياء؛ للزُومها في الواحد، أو للفَرق بينه وبين أعواد الخشب"[5].
رأس السنة عيد والعبرة بالحقائق:
بعض الناس يتوهَّم أن رأس السنة ما هو إلا مجرد احتفال كل عام بمناسبة انتهاء السنة الميلادية، وأن هذا مُباح؛ كالاحتفال بالعُرس وبالتخرُّج وبالنجاح وبقدوم الغائب، وهذا غير مُسلَّم؛ إذ فرْق بين الاحتفال لحَِدَث عارِض وبين تَكرُّر الاحتفال لِحَدَث متكرر؛ فتكرُّر الاحتفال بحدَثٍ داخلٌ في مسمَّى العيد؛ لأن تكرُّر الاحتفال بحَدث يتكرَّر كل سنة بفرح مجدَّد، ويعود كل سنة بفرح مجدَّد، فكيف لا يُسمَّى الاحتفال برأس السنة عيدًا؟!
أعياد المسلمين اثنان لا ثالث لهما، ولا يجوز إحداث عيد آخر.
أعياد المسلمين عِيدان لا ثالث لهما، ألا وهما: عيد الفطر وعيد الأضحى، والدليل على ذلك عن أنس بن مالك قال: "كان لأهل الجاهلية يومانِ في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدِم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة قال: ((كان لكم يومان تلعبون فيهما، قد أبدَلكم الله بهما خيرًا منهما؛ يوم الفطر ويوم الأضحى))[6].
وهذا الحديث يدُلُّ على أن اللهَ أبدَلنا بأعياد الجاهلية عيدين لا ثالث لهما؛ عيدَي الفطر والأضحى، فكيف نجمع بين عيدَي الإسلام وأعياد الجاهلية؟! والإبدال من الشيء يقتضي ترْكَ المبدَل منه؛ إذ لا يُجمَع بين البدل والمُبدَل منه؛ ولهذا لا تُستعمَل هذه العبارة إلا فيما تُرِك اجتماعهما[7].
ومن الأمثلة على عدم جواز اجتماع البدل والمُبدَل منه قوله - سبحانه -: ﴿ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ﴾ [النساء: 2]، فهل يجوز الجمع بين الخبيث والطيب؟!
ومِن الأمثلة على عدم جواز اجتِماع البَدَل والمُبدَل منه؛ ما جاء في أن المؤمنَ تقول له الملائكة في قبره: ((انظر إلى مقعدك في النار قد أبدَلَك اللهُ مقعدًا في الجنة، فيراهما جميعًا))[8]، فهل يجتمع رؤية مقعد المؤمن في الجنة، ومقعده في النار إلى يوم القيامة، أم سيرى مقعده في الجنة إلى يوم القيامة بعد أن يرى مقعده من النار ليزداد شكرًا لله؟!
ولا يتوقف الأمر على مسألة عدم جواز اجتماع العيد البدل والعيد المبدَل منه، بل في اجتماع عيدَي الإسلام وأعياد الجاهلية، اجتماع الذي هو شرٌّ بالذي هو خير، وكيف يَسوغ للإنسان الجمعُ بين ما هو خير وما هو شر؟!
ولا يُقال: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -
(خيرًا منهما)) يدلُّ على اشتراك عيدَي الإسلام وعيدَي الجاهلية في الخير؛ إذ لفظة "خير" - وإن كانت صيغةَ تفضيل بمعنى أَخْيَر - فلا مُشاركة بين عيدَي الإسلام وعيدَي الجاهلية في الخير، بدليل أن اليومين الجاهليين لم يُقِرَّهما النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ترَكهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: إن الله قد أبدَلَكم بهما يومين آخرين، وإنما جاز ذلك؛ لِما في لفظة (خير) من الشياع وتشعُّب الوجوه.
ومن الأمثلة على ذلك: قوله - سبحانه -: ﴿ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]، والمعنى: لكان خيرًا لهم مما هم عليه؛ لأنهم إنما آثَروا دينَهم على دين الإسلام؛ حبًّا في الرئاسة واستِتباع العوام، فلهم في هذا حظ دُنيوي، وإيمانهم يحصُل به الحظ الدنيوي من كونهم يَصيرون رؤساءَ في الإسلام، والحظ الأخروي الجزيل بما وُعِدوه على الإيمان من إيتائهم أجرَهم مرتين.
وقال ابن عطية: ولفظة خير صيغة تفضيل، ولا مشاركة بين كُفْرهم وإيمانهم في الخير، وإنما جاز ذلك لِما في لفظة خير من الشياع وتَشعُّب الوجوه، وكذلك هي لفظةُ أفضل وأحب وما جرى مَجراها [9]، والمراد بالخيرية في زعْمهم[10] - أي على فرْض - أن ما زعَموه خيرٌ.
وقوله - تعالى - في قصة شعيب مع قومه: ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 85].
و(خير) أفعل التفضيل، أي: الإيفاء بالكَيل والمِيزان خيرٌ لكم من التطفيف والبَخس والإفساد على زعْمكم أن في ذلك خيرًا؛ لأن (خيرية) ذلك لكم عاجِلة جدًّا، مُنقضية عن قريب منكم؛ إذ يقطَع الناسُ معاملتَكم ويَحذَرونكم، فإذا أوفيتُم وتركتُم البَخس والإفساد، حسُنت سيرتكم، وقصَدَكم الناس بالتِّجارات، فيكون ذلك أخير مما كنتم تفعلون؛ لديمومة التعامل بالعدل في المعاملات.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم: ((وقد أبدَلَكم اللهُ بهما خيرًا منهما)) لَمَّا سألهم عن اليومين، فأجابوه: إنهما يومانِ كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية؛ دليل على أنه نَهاهم عنهما؛ اعتياضًا بيومي الإسلام؛ إذ لولم يقصِد النهيَ لم يكن لذِكر هذا الإبدال مناسبة.
وهذا الحديث يُبيِّن أن الواجب على المسلمين أن يَستغنوا في الأعياد بما أغناهم الله به، ويَكتفوا بهذه الأعياد التي شرَعها الله لهم عن أعياد الأمم الأخرى.
وإذا كان النهي عن الفرحة بعيدًا كان موجودًا عندهم، فمن باب أَولى أو من قياس المساواة يجب عدم إحداث عيدٍ لم يكن موجودًا.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم: ((وقد أبدَلَكم الله بهما خيرًا منهما))، تنبيهٌ أن الله هو الذي يشرع الاحتفال بالأعياد، فهو الذي يُبدِّل ويشرع ويُحرِّم ويُحِل، وليس أمر الأعياد متروكًا للناس يحتفِلون بأي عيد حسَب رغبتهم.
الأعياد من جملة الشرائع فلا يُشرَع عيدٌ إلا بدليل:
يتوهَّم البعض أن الأعياد من جُملة العادات، وتَخضع لأعراف الناس، وهذا خطأ؛ فالأعياد من جملة الشرائع، والعيد علامة على الدِّين، وشعيرة من شعائره، بل من أظهَر شعائره، ولكل دين أعياده، ولكل أمة أعيادُها؛ كما في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم: ((وقد أبدَلَكم الله بهما خيرًا منهما))، فالله أبدَلَنا نحن أهل الإسلام بعِيدَيْنِ، والكلام موجَّه لنا لا لغيرنا؛ ليدل أن هذين العيدين خاصان بنا.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تُغنِّيَان بما تَقاوَلت الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليستا بمغنِّيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أبا بكر، إنَّ لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا))[11].
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا))، يدلُّ على اختصاص كل قومٍ بعيدهم؛ فكل مِلة وكل قوم لهم أعياد يختصُّون بها عن سواهم، وإلا كانت الأيام مشترَكة والأعياد مشتركة، وهذا مِصداقًا لقوله - تعالى -: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48]، فشريعتنا غير شريعتهم، وقِبلتنا غير قِبلتهم، وعبادتنا غير عبادتهم، وصلاتنا غير صلاتهم، وصيامنا غير صيامهم، فكذلك عيدُنا غير عيدهم، فلا يُشارِكوننا فيه، ولا نحن نشارِكهم في أعيادهم.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا))، يدل أن العيد قضية دينية عَقديَّة، وليس عادة مدنيَّة يشترك الناس فيها، بل من الخصوصيات الشعائرية الدينية التي تتمايَز فيها الأمم.
وإضافة النبي - صلى الله عليه وسلم - العيدَ إلى ضمير المتكلمين تدل على التعيين والاختصاص؛ فعيدنا خاص بنا لا يُشاركوننا فيه، وعيدهم خاص بهم لا نُشارِكهم فيه، وإذا لم يَجُز لنا أن نشارِك غيرَنا في أعيادهم فلا يجوز لنا الاحتفال بعيدٍ ليس من أعيادنا.
ولو أردنا أن نجعل لنا عيدًا غيرَ عيدَي الإسلام، أو أي عيد نجعله لنا ولا نُشابِه فيه أحدًا من الكفار، لَمَا جاز لنا ذلك؛ لأن الأعياد من جملة الشرائع، بل من أعظم شعائر الشرائع، فلا يجوز إحداث عيدٍ بلا نصٍّ شرعي؛ لأن الأعياد من شعائر الدين، وشعائر الدين تُتلقَّى من الشرع لا من الناس، وإحداث عيدٍ لم يأذَن به الله فيه مُضاهاة للشريعة، وسوء أدب مع الشريعة، فلمْ يكتفِ المُحدِث لهذه الأعياد بما أَذنَت به الشريعة، بل زاد عليها، وفي هذا اتهام للشريعة بالنَّقص.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أحدَث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ))[12]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((عليكم بسنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدِيِّين من بعدي، وإياكم ومُحدَثاتِ الأمور؛ فإن كل مُحدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار))[13].
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا))؛ تعليلُ الإباحة للجواري باللعب والغناء بأن ذلك في يوم عيدنا، فيه دلالة على أن الإذن باللعب والغناء المُباح؛ لأن هذا العيد خاص بنا؛ فدلَّ هذا على عدم جواز اللَّعِب في غير عيدنا من أعياد الكفار، وأعياد المسلمين التي سنُّوها لأنفسهم مما لم يَرِدْ به نصٌّ شرعي، فهي كأعياد الكافرين في الحكم، لا يجوز لنا الاحتفال بها؛ لأنها لم يشرعها دينُنا؛ فديننا شرَع لنا عيدين لا ثالث لهما.
ولو أن الأعياد من العادات لأحدث الناس لكل حدَثٍ عيدًا، ولم يكن للأعياد الشرعية مَيزة وفضل، ولما كان لإبدال الله بأعياد غير المسلمين عيدَي الفطر والأضحى معنى.
عيد رأس السنة من أعياد الكفار؛ فلا يجوز التشبُّه بهم أو مُشابهتهم في الاحتفال به:
رُغم أن عيد رأس السنة ليس مما شرَع الله لنا من الأعياد، فلا يجوز الاحتفال به؛ فعيد رأس السنة أيضًا من أعياد الكفار، فلا يجوز التشبُّه بهم أو مُشابهتهم في الاحتفال به؛ لورود النصوص الشرعية بذلك؛ فعن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خالِفوا المشركين؛ وفِّروا اللِّحى، وأحْفُوا الشوارب))[14]، ومخالَفة المشركين تَستلزِم عدم موافقتهم فيما هو من خصائصهم، وفيما هو من عاداتهم، وفيما هو من عباداتهم، وعيد رأس السنة الميلادية وسَنُّ أعياد لم يأذَن بها اللهُ من خصائص الكفار المشركين.
وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من تَشبَّه بقوم فهو منهم))[15]، والشرع قد أمَر بمخالفة المشركين، ونهى عن التشبُّه بهم ومشابهتهم؛ ليَظهر التباين بين المؤمنين والكافرين في الظاهر، كما هو حاصل في الباطن؛ فإن الموافقة والتشبُّه في الظاهر ربما تَجرُّ إلى محبَّتهم وتعظيمهم والشعور بأنه لا فَرْق بينهم وبين المؤمنين، ويقود المُتشبِّه إلى أن يتخلَّق بأخلاق مَن تَشبَّه به، وأن يعمل مِثل أعماله.
قال الذهبي: "فإذا كان للنصارى عيد، ولليهود عيد، مُختصين بذلك، فلا يُشارِكهم فيه مسلم، كما لا يُشارِكهم في شِرْعتهم ولا في قِبلتهم"[16].
والمشابهة للكفار أعمُّ من التشبُّه بهم؛ فالمشابهة تكون بقصدٍ وبغير قصد، والتشبُّه يكون بقصد، والنصوص الشرعية أتت بمُطلَق النهي عن موافقة المشركين، سواء بقصد أو غير قصْد، وأتت بالأمر بمخالفتهم، والأمر بالمخالَفة نهي عن التشبُّه بهم، ونَهيٌ عن مشابهتهم.
والتي ترتدي لبس الرجال فهي مُتشبِّهة بالرجال قصَدت أو لم تقصِد، والذي يرتدي لبس النساء فهو مُتشبِّه بالنساء قصَد أو لم يقصِد، والذي يصنع التماثيل لذوات الأرواح قد ضاهى خلْق الله قصد أولم يقصِد، والذي يَستغيث بالأموات فقد أشرَك قصد أو لم يقصِد، والذي يَبصُق على المصحف وهو يعلم أنه مصحف كفر قصد أو لم يقصد.
ولا يليق بالمسلم، ولا يجوز لمسلم تقليدُ الكافر، والتشبُّه به في عباداته وعاداته ولبْسه وأعياده، فالتقليد من شِيَم المغلوبين، والمغلوب غالبًا يُقلِّد الغالب، وكثير من النفوس تعتقِد الكمال فيمَن غلَبها فتُقلِّده؛ لأنها رأت أن من قلَّدته أفضلُ منها وأرفع منها قدرًا؛ لذلك تحاوِل أن تتشبَّه به، وأن المقلِّد شعَر بالنقص واحتقار نفسه أمام الكافر.
وإن قيل: إن كان النصارى هم الذين سَنُّوا عيد رأس السنة الميلادية فلمْ يَعد هذا العيد من خصائصهم، فالكل يحتفل به؛ لذا لا بأس بالاحتفال به، والجواب: هذا كذب؛ فليس كل الناس يحتفلون به، فهناك الكثير ممن يتمسَّك بالسنَّة، وهؤلاء لا يحتفلون بهذه الأعياد.
وعلينا بطريق الهدى، وإن قلَّ السالكون، وعلينا اجتناب طريق الردى وإن كَثُر الهالكون، وليست العِلَّة الوحيدة في عدم الاحتفال برأس السنة هي أنه من أعياد الكفار فقط، أو لمخالَفة المشركين فقط، بل هناك عِلل أخرى؛ مِثل: عدم إحداث شعيرة بغير دليل، وعدم جواز اجتماع عيدَي الإسلام مع أعياد أخرى، وعدم جواز الاحتفال بأعياد غير أعياد الإسلام، وعدم جواز تعظيم يوم من الأيام بغير دليل.
لا يجوز تهنئة النصارى بأعيادهم حتى وإن هنَّؤونا بأعيادنا:
لا يجوز تهنئة الكفار بأعيادهم؛ فهذا فيه مُوالاة لهم وإقرار لهم على ما هم عليه من الباطل، وتأييد لهم على ما هم عليه من الباطل، ويُعتبَر من جنس تهنئتهم على كفْرهم.
وإن هنَّأنا الكفارُ بأعيادنا فلا يجوز لنا أن نُهنِّئهم بأعيادهم؛ لوجود الفارق بين أعيادنا وأعيادهم، فأعيادنا حقٌّ من ديننا الحق، بخلاف أعيادهم الباطلة التي هي من دينهم الباطل، وعلى أقل تقدير فهي منسوخة بديننا، فإن هنَّؤونا على الحق، فلن نُهنِّئهم على الباطل.
ومعنى قوله - تعالى -: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8]، أن نبرَّهم فيما هو مشروع في ديننا؛ كعيادة مريضهم، وإعانة مُحتاجهم، وليس في الآية إذنٌ بمشاركتهم في باطِلهم أو تهنئتهم على كفْرهم.
الآثار المترتبة على الأعياد البِدعية:
كثُرتِ الأعياد في زماننا هذا حتى بلَغت العشرات، وما ننتهي من عيدٍ حتى ندخل في عيد، وكأن السَّنَة كلها أعياد، فضاعت لذَّة عيدَي الإسلام - الفطر والأضحى - وهذا شأن المعاصي؛ فالمعاصي تحبِس الطاعات، وتُفقِدنا لذَّة القُربات، وإحياء البدع يُميت السنن، وجزاء السيئة سيئة مِثلها.
ومن آثار هذه الأعياد البدعيَّة التشبُّه بالكفار فيما هو من خصائصهم، وتقليد الكفار فيما هو من خصائصهم، وفي هذا إشعار بذُلِّ المسلمين وإهانتهم وعِزَّة الكافرين، وهذا لا يُرضي الله ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفي موافقة الكفار تعزيزٌ لِما هم عليه، ووسيلة لافتخارهم وعُلوهم على المسلمين؛ حيث يرون المسلمين أتباعًا لهم، مقلِّدين لهم؛ ولهذا كان من المقرَّر عند أهل الخبرة في التاريخ أنَّ الأضعف دائمًا يقلِّد الأقوى، والمغلوب يُقلِّد الغالب.
ومن آثار كثرة هذه الأعياد البدعيَّة أنها تؤدي إلى كثرة العطل الرسمية، ولا تكاد تخرج من عطلة رسمية إلا وتقع في أخرى، وكثرة العطل الرسميَّة تُقلِّل الإنتاج.
ومن آثار كثرة الأعياد أنها تؤدي إلى إهدار الوقت وقِلة الإنتاج، واستغلال الوقت من عوامل النهضة ومن شروط التقدم.
انتَبِه يا مَن تحتفِل برأس السنة الميلادية:
يا من تحتفل برأس السنة، انتَبِه فعمرك في تَناقُص، وأجلك يقترِب، فبدلاً من أن تَقضي ما بقي من عمرك في الطاعة تَقضيه في معصية!
يا من تحتفل برأس السنة، كيف لك أن تحتفِل بقُرْب أجلك واقترِاب موتك ونقْص عمرك؟!
يا من تحتفل برأس السنة، قد عظَّمت ما لم يأمُر الشرع بتعظيمه، وابتدَعت ما لم يأذَن به الله، فتُبْ إلى الله قبل أن يأتيَك الموتُ بغتة.
يا من تحتفل برأس السنة، قد ضَاهيتَ شرْع ربك، وأحدَثتْ شعيرة استدرَكتَ بها على ربك وأنت لا تدري، فأَفِق قبل فوات الأوان.
يا مَن تحتفل برأس السنة، قد شَابَهتَ الكفار الضالين في أعيادهم، وقد أُمِرتَ بمخالفتهم، فاحذَر أن يُصيبَك فتنةٌ أو عذاب أليم.
يا من تحتفل برأس السنة قد أشعَرت الكفارَ بالولاء لهم لموافَقتِك لهم في أعيادهم، وأشعَرتَهم بالعِزة، والعزةُ لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين.
اللهم اهدِ شباب المسلمين.
اللهم رُدَّ المسلمين إلى دينك ردًّا جميلاً.
اللهم وحِّد صفَّنا.
اللهم وحِّد كلمتنا.
هذا والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، وكتَبه ربيع أحمد حامدًا لله ومُصلِّيًا على نبيه - صلى الله عليه وسلم -.