الحمد لله الذي نزَّل القرآنَ العظيمَ ، والفرقانَ القويمَ ، وهدى عباده إلى الصراطِ المستقيم ،وبيّن فيه كلَّ شىءٍ وفصّله تفصيلا بغاية التوضيح والتقسيم ، وأوضح به جميعَ العلومِ ، ومواضعَ التعلمِ والتعليم ، ثم بيّنه بسنَّة نبيِّه الكريم، سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) علية أكملَ صلاة وأفضل تسليموعلى صحابته آل بيته الطيبين الطاهرين وبعد..
فإن القرآن هو كتاب الهدايةوالرحمة ،ومنبع البيان والتبيان ،وهو نور الصدور، وجلاء الهموم والغموم، وسعادة القلوب وطبها ، وقرة العيون وجلائها.
قال تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
(الم*ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ).
وقال مخاطبا" نبيه :
(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ).
قال الإمام الشاطبي - رحمه الله -عن القرآن : "هو كلية الشريعة, وعمدة الملة, وينبوع الحكمة, وآية الرسالة, ونور الأبصار والبصائر, فلا طريق إلى الله سواه, ولا نجاة بغيره, ولا تمسك بشيء يخالفه".
وقال رحمه الله فى متن الشاطبية :
وَبَعْدُ فَحَبْلُ اللهِ فِينَا كِتَابُهُ فَجَاهِدْ بِهِ حِبْلَ الْعِدَا مُتَحَبِّلاَ
وَأَخْلِقْ بهِ إذْ لَيْسَ يَخْلُقُ جِدَّةً جَدِيداً مُوَاليهِ عَلَى الْجِدِّ مُقْبِلاَ
وَقَارِئُهُ الْمَرْضِيُّ قَرَّ مِثَالُهُ كاَلاتْرُجّ حَالَيْهِ مُرِيحًا وَمُوكَلاَ
هُوَ الْمُرْتَضَى أَمًّا إِذَا كَانَ أُمَّهً وَيَمَّمَهُ ظِلُّ الرَّزَانَةِ قَنْقَلاَ
هُوَ الْحُرُّ إِنْ كانَ الْحَرِيّ حَوَارِياً لَهُ بِتَحَرّيهِ إلَى أَنْ تَنَبَّلاَ
وَإِنَّ كِتَابَ اللهِ أَوْثَقُ شَافِعٍ وَأَغْنى غَنَاءً وَاهِباً مُتَفَضِّلاَ
وَخَيْرُ جَلِيسٍ لاَ يُمَلُّ حَدِيثُهُ وَتَرْدَادُهُ يَزْدَادُ فِيهِ تَجَمُّلاً
وَحَيْثُ الْفَتى يَرْتَاعُ فيِ ظُلُمَاتِهِ مِنَ اْلقَبرِ يَلْقَاهُ سَناً مُتَهَلِّلاً
هُنَالِكَ يَهْنِيهِ مَقِيلاً وَرَوْضَةً وَمِنْ أَجْلِهِ فِي ذِرْوَةِ الْعِزّ يجتُلَى
يُنَاشِدُه في إرْضَائِهِ لحبِيِبِهِ وَأَجْدِرْ بِهِ سُؤْلاً إلَيْهِ مُوَصَّلاَ
فَيَا أَيُّهَا الْقَارِى بِهِ مُتَمَسِّكاً مُجِلاًّ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ مُبَجِّلا
هَنِيئاً مَرِيئاً وَالِدَاكَ عَلَيْهِما مَلاَبِسُ أَنْوَأرٍ مِنَ التَّاجِ وَالحُلاْ
فَما ظَنُّكُمْ بالنَّجْلِ عِنْدَ جَزَائِهِ أُولئِكَ أَهْلُ اللهِ والصَّفَوَةُ المَلاَ
أُولُو الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ وَالصَّبْرِ وَالتُّقَى حُلاَهُمُ بِهَا جَاءَ الْقُرَانُ مُفَصَّلاَ
عَلَيْكَ بِهَا مَا عِشْتَ فِيهَا مُنَافِساً وَبِعْ نَفْس*** الدُّنْيَا بِأَنْفَاسِهَا الْعُلاَ
وقد أمرنا الله تعالى بقرأة القرآن وفهمه و تدبره وهو المقصود الأعظم ،والمطلوب الأهم من التلاوة. فبه تنشرح الصدور ، وتستنير القلوب.
ولذا قال قال تعالى آمرا بتدبره وتفهمه ، وناهيا عن الإعراض عنه :
ï´؟أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَاï´¾.
وقال:
(كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ)
قال العلامة السعدي في تفسير هذه الآية الكريمة:
(( { كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ } فيه خير كثير، وعلم غزير، فيه كل هدى من ضلالة، وشفاء من داء، ونور يستضاء به في الظلمات، وكل حكم يحتاج إليه المكلفون، وفيه من الأدلة القطعية على كل مطلوب، ما كان به أجل كتاب طرق العالم منذ أنشأه اللّه.
{ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ } أي: هذه الحكمة من إنزاله، ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود.
{ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ } أي: أولو العقول الصحيحة، يتذكرون بتدبرهم لها كل علم ومطلوب، فدل هذا على أنه بحسب لب الإنسان وعقله يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب.))اهـ
وفى الحديث عن حذيفة قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقرأها ، ثم النساء فقرأها ، ثم آل عمران فقرأها. يقرأ مسترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ. وروى أبو داود والنسائي وغيرهما عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة ، لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل ، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ.
و الأحاديث التى تدل على أن تدبر القرآن والتفكر في معاني الألفاظ كان من هديه صلى الله عليه وسلم كثيرة وفيرة ليس هذا موضع سردها ولا حصرها
‫
ولأهمية ماذكرت فهذة عدة تغريدات فى ظلال آيات القرآن الكريم أضعها بين أيديكم تباعا" نقف معها وقفات تدبروتفكر مع آيات الله لعلها تحي القلوب ،وتنير الصدور،وتبعث في النفس والروح محبة خالقها الذي أنزل هذا الكلام على عبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم ...
واسأل الله لي ولك دوام مرافقة القرآن وان يجعلنا من اهل القرآن الذين هم اهل الله وخاصتة
الحلقة الأولى من ..فى ظــلال آيـــة
قوله تعالى :: (بسم الله الرحمن الرحيم )
أَجَمَعَ المفسرون عَلَى أَنَّ البَسْمَلَةَ مِنْ القُرْآنِ وَأَنَّهَا جُزْء من آيَةٍ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ، وَاِخْتَلَفُوا هَلْ هى آيَةُ مستقلة من الفَاتِحَة، أَمْ جُزْءٌ مِنْهَا.... أَمْ هى لَيْسَتْ مِنْهَا؟؟؟
وهذا كله فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ،وَلَسْنَا بِصَدَدِ الحَدِيثِ عَنْ ذَا لَكَ..
لَكِنْ تَدَبَّرَ مِعًى مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ هذة الآيَةُ. مِنْ كَمَالِ اللُّجُوءِ إِلَى اللهِ...... وَكَمَالُ الاِسْتِعَانَةِ بِهِ وَكَيْفَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهَا أَصْلًا "فِي بِدَايَةِ كُلِّ أُمُورِهِ الدِّينِيَّةَ والدنيوية..
كَأنَ الإِنْسَانُ عِنْدَ ذِكْرِهَا يَقُولُ أَبْتَدِئُ حَالَ كَوْنِي مستعينا" بِرَبِّي المتف بِضِفَّةِ الأُلُوهِيَّةِ وَالرَّحْمَةِ الوَاصِلَةُ وَالوَاسِعَةُ.
فَتَدَبَّرَ مِعًى سَتَجِدُ أَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى أَسْمَاءٍ لِلهِ ثُلَاثَ هى مِنْ أَحَبِّ أَسْمَاءِ اللهِ إِلَيْهِ وهى اللهُ الرحمن الرحيم. فَاِسْمُ اللهِ (اللهُ) هُوَ الاِسْمُ الجَامِعُ لِلأَسْمَاءِ الحُسْنَى وَمَعْنَاهِ هُوَ الإِلَهُ الَّذِي تَالِهَةٌ الخلائق مَحَبَّةٌ وَتَعْظِيمًا وخضوعاً.. وَهُوَ الإِلَهُ الجَامِعُ لِجَمِيعِ صِفَاتِ الكَمَالِ وَالجَلَالِ وَالجَمَالِ؛ فَلَهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى وَالصِّفَاتُ العُلًى..
وَاِسْمُ الرَّحْمَنِ أَيٌّ الَّذِي وَسَّعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْ فَهُوَ ذُو الرَّحْمَةِ الوَاسِعَةُ الَّتِي عَمَّتْ كُلُّ شَيْ وَشَمَلَتْ كُلَّ حَيٍّ مِنْ المَخْلُوقَاتِ.
وَالرَّحِيمُ أَيٌّ ذُو الرَّحْمَةِ الوَاصِلَةُ الخَاصَّةُ بِالمُؤَمِّنِينَ فَقَطْ.. وَلِذَا لَكَ يُقَالُ: أَنَّ الرَّحْمَنَ خَاصٌّ الاِسْمِ عَأُمِّ الفِعْلِ، وَالرَّحِيمُ عَكْسُهُ أَيْ عَامُ الاِسْمِ خَاصُّ الفِعْلِ.. ووأيضا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
"لَوْ نَظَرَتْ وَتَدَبَّرَتْ وَجَدَتْ أَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى عَلَى صِفَاتٍ شَتَّى مِنْهَا: العلو والالهية العبودية وَالرَّحْمَةُ الوَاسِعَةُ والرحمة الوَاصِلَةُ وَصْفَةُ الكَلَامِ وَالرِّسَالَةُ.. فَيَا سُبْحَانَ اللهِ حري بِمَنْ يسئل اللهُ وَيَسْتَعِينُ بِهِ وَيَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ بهذة الأَسْمَاءَ وَتِلْكَ الصِّفَاتُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ لَهُ إِذَا عَلِمَ إِخْلَاصُ قائلها.. رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنَّ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ،وِصْلِي اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٌ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعَيْنِ..
ويتبع ان شاء الله