الدور والتسلسل
والفرق بينهما .. واثبات بطلانهما
الدَوْر : هو توقّف وجود الشيء على ما يتوقف وجوده عليه ؛ كتوقف ( أ ) على ( ب ) ، وتوقف ( ب ) على ( أ ) ، وهذا هو الدور الصريح ؛ لأنّ التوقف بلا واسطة ، وقد يكون التوقف مع الواسطة ، كتوقف ( أ ) على ( ب ) ، وتوقف ( ب ) على ( ج ) ، وتوقف ( ج ) على ( أ ) ، وهذا هو الدور المضمر .
واستحالة الدور : قريبة من البداهة باعتبار أنّه يستلزم تقدم الشيء على نفسه بالوجود واجتماع النقيضين ؛ لأنّ معنى توقف ( أ ) على ( ب ) هو : أنّ ( ب ) علة ( أ ) ، ومقتضى ذلك : تقدم ( ب ) على ( أ ) ؛ لتقدم كل علة على معلولها ، في حين أنّ مقتضى توقف ( ب ) على ( أ ) : أنّ ( أ ) علة ( ب ) ، ولازمه : أنّ ( أ ) متقدم على ( ب ) ؛ لأنّه علة له ، وهذا ينتج : أنّ ( أ ) الذي فرض متأخراً عن ( ب ) في التوقف الأوّل ؛ لأنّه معلول له صار متقدماً عليه في التوقف الثاني ؛ لأنّه علة له ، وكذلك ( ب ) فإنّه فرض متقدماً على ( أ ) في التوقف الأوّل في حين فرض متأخراً عنه في التوقف الثاني ، فيكون الشيء الواحد وبالنسبة إلى شيء واحد متقدماً وغير متقدم ، ومتأخراً وغير متأخر ، وهو جمع بين النقيضين ، وهو محال .
وأمّا التسلسل فهو : عبارة عن اجتماع سلسلة من العلل والمعاليل الممكنة بصورة غير متناهية ، مثل أن يتوقف ( أ ) على ( ب ) ، و( ب ) على ( ج ) ، و( ج ) على ( د ) ، وهكذا إلى ما لا نهاية .
واستحالة التسلسل : باعتبار أنّه يؤدي إلى استحالة تحقق أي واحد من المعاليل ، وأنّ فرض تحقق ذلك يستلزم وجود المعلول بلا علة ، وهو محال .
توضيحه : إنّ ( أ ) كمعلول لـ( ب ) إنّما يتحقق إذا كانت علته ( ب ) موجودة وفعلية ، وإنّما تكون كذلك إذا لم تكن متوقفة على شيء آخر ، أو كانت متوقفة مع فرض تحقق وفعلية ما تتوقف عليه . وأمّا إذا كانت متوقفة على شيء آخر ، وكان ذلك الشيء أيضاًبدوره موقوفاً على آخر ، وهكذا ؛ فإنّ هذا يؤدي إلى عدم تحقق شيء من هذه المعاليل ، إلا إذا فرض الانتهاء إلى علة ليست معلولة شيء ، وفيه تنقطع السلسلة ، وتتحقق جميع المعاليل الموجودة في السلسلة .
مثلاً : إذا فرض أنّ حضور ( زيد ) في الدرس موقوفاً على حضور ( عمرو ) ، وحضور ( عمرو ) موقوفاً على حضور ( بكر ) وهكذا إلى ما لا نهاية ، فإنّه يؤدي إلى عدم تحقق حضور أي أحد في الدرس ، بخلاف ما إذا فرض أنّ حضور ( بكر ) مثلاً فعلي وغير متوقف على شيء ، فإنّه يؤدي إلى تحقق حضور الجميع .