بين العلم والفلسفة هذا عن علاقات الوصل والتشابه وأوجه التكامل، أما الفروق والاختلافات الجوهرية التي بينهما فهي كثيرة متنوعة، وقد قام د. علي عبد المعطي بتلخيصها على النحو التالي(9).
1ـ يستهدف العلم وصف الظواهر وكيفية حدوثها، أما الفلسفة فهي تحاول تفسير ما وصل إليه العلم، إذ العلم وصفي والفلسفة تفسيرية.
2ـ العلم موضوعي وتجريبي والفلسفة ذاتية شخصية أو تأملية ونظرية ـ مقارنة بالعلم ـ وهناك مقدار معتبر من الموضوعية في الفلسفة أيضا، ولكن سبقت الإشارة إلى عدم إمكانية تجرد العقل تماما عن الشخص وميوله ونزواته، وخلفيته الثقافية في الفكر الفلسفي، في الوقت الذي بالإمكان إخضاع الأبحاث العلمية لقياسات ثابتة وتجارب معملية يمكن تكرارها للوصول إلى النتيجة نفسها في كل مرة، مما يدل على انفصال معطياتها عن الشخص الذي يقوم بتلك الأبحاث والتجارب، والعلم لا يعتمد مثل الفلسفة على العقل فقط وإنما على التجربة والملاحظة وغير ذلك.
3ـ العلم إمبريقي، حدوده حدود العالم المحسوس، أما الفلسفة فهي تتجاوز تلك الحدود إلى ما فوقها، وهي التفكير الثاني على حد تعبير بعض الفلاسفة، وليس معنى الحس في هذا الكلام الحس البشري المباشر لأن هناك حقائق كثيرة في هذا العالم المحسوس لا تتحول إلى محسوسة إلا بواسطة أجهزة وتحليلات كالأصوات والصور الموجودة في الأثير ولكنها تحتاج لأجهزة استقبال مثل التليفزيون.
4ـ الأحكام العلمية أحكام تقريرية، بمعنى أنها لا تقرر أكثر مما هو موجود في الواقع الخارجي، أما الأحكام الفلسفية فبعضها معياري، وبعضها فردي لا يعبأ بما عليه الواقع، وبما أن العلم يقف في حدود ما هو كائن ولا يتطرق إلى ما ينبغي أن يكون فإنه عاجز عن استخلاص (قيم) من هذا الواقع الذي يقرره ويدرسه، ولهذا لا يرجى منه أن يعالج موضوع السلوك البشري، والذي هو من أهم موضوعات الفلسفة، لأن الفلسفة تتناول ما وراء الواقع، وما وراء المحسوس والفيزيقيا، وتتصدى لقضية الأخلاق والقيم، وتعالج الواقع ليس لتقريره على ما هو عليه، بل لتغييره إلى الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه في ضوء قيم الحق والخير والجمال.
5ـ العلم يبحث عن العلل القريبة المباشرة، والفلسفة تبحث عن العلل البعيدة التي هي وراء تلك العلل القريبة أو فوقها، وهذه الخاصية نابعة من تجريبية وتقريرية العلم لأن العلة القريبة هي التي تخضع للاختبار والتجربة، وأما البعيدة فلا ينفع معها ذلك.
6ـ العلم جزئي والفلسفة كلية، لأن الفلسفة تدرس الوجود من حيث هو وجود كلي عام، ولا تهتم بالجزئيات والتفاصيل، أما العلم فله في كل فرع وموضوع تخصص جزئي محدود، وكلما تطورت العلوم كلما تحدد موضوع البحث وسار نحو الجزئية والدقة والانحسار .
7ـ إن العلم يتبنى في أي مجال مجموعة مسلمات لا جدال فيها، ولكن الفلسفة لا تعترف بالمسلمات إلا إذا ثبتت بالبرهان العقلي، وذلك محدود جداً فيها، والعقل دون الحس هو الأساس في الفلسفة.
8ـ العلم منفصل عن تاريخه أو لا يشكل تاريخه جزءاً من حاضره، بخلاف الفلسفة فإنه لا يمكن تجاهل تاريخها، لأن تاريخها جزء منها.
نقول: من الخطأ الفادح الاعتقاد بأن العلم يغني عن الفلسفة أو أن الفلسفة تغني عن العلم، بل سيظل كل منهما مسارا منفصلا عن الآخر، ومصدرا للمعرفة والوعي العميق بالعالم، وسيظلان آليتين للبحث والتناول لا يمكن للبشرية أن تستغني عنهما.