نداء من النفسيون والعقليون........امنحونا فرص عمل تناسبنا وتنا سب اوضاعنا و ابداعاتنا
على المسؤولين التعاون مع الأطباء المعالجين لكي يمكن التفاهم لما فيه مصلحة المريض وعائلته والمجتمع ككل
المرضى النفسيون والعقليون ... امنحوهم فرص عمل تتناسب مع ظروفهم فقد يُبدعون !
مريض الفُصام يحتاج لعلاج قد يطول لسنواتٍ طويلة
د.ابراهيم بن حسن الخضير
المرضى النفسيون والعقليون يُشكلون نسبة عالية من أفراد المجتمع من ذكور وإناث ، فحسب منظمة الصحة العالمية ان المرضى النفسيين والعقليين يشكلون أكثر من 20% وفي بعض التقارير تقول بأن المرضى النفسيين والعقليين بجميع الاضطرابات النفسية قد تصل إلى 30% ، وهذه نسبة كبيرة جداً بجميع المقاييس، وهؤلاء المرضى النفسيون والعقليون يُكلفّون الدولة التي يعيشون فيها مبالغ باهظة ، لذلك يجب أن تكون هناك استراتيجية واضحة لعلاج هؤلاء المرضى. في الولايات المتحدة الأمريكية يُكلّف مرضى الفُصام فقط أكثر من 50 مليار دولار سنوياً وهذا خلاف الأمراض النفسية والعقلية الآخرى التي قد تكلّف مليارات الدولارات الآخرى.
هؤلاء المرضى النفسيون والعقليون كيف يمكن أن نتعامل معهم في مجتعاتنا ، حيث ان العلاج النفسي يكاد يكون نادراً نظراً لقلة الخدمات النفسية التي تقدّمها وزارة الصحة للمرضى النفسيين والعقليين وقد كتب الدكتور عثمان الصيني ، رئيس تحرير المجلة العربية مقالاً عن سوء الخدمات التي تقدّمها مستشفيات الأمل للصحة النفسية في جميع أنحاء المملكة ؛ حيث تحدّث عن سوء معاملة المرضى وعدم تقديم خدمات علاجية للمرضى النفسيين ، فكيف نفعل بهؤلاء المرضى في بلادنا؟
كثير من هؤلاء المرضى لا يجدون علاجاً جيداً لمرضهم في المؤسسات التابعة لوزارة الصحة ، ولا نستطيع أن نلقي باللوم على وزارة الصحة ، لأن هذه هي القدرات المتوفرّة لديها ، ولديها ميزانية محدودة وخبرات إدارية ضعيفة في الخدمات النفسية والاجتماعية في الوزارة ، وتستعين باشخاص ليس لديهم الخبرة الكافية في تطوير الخدمات الصحية النفسية بل تعتمد على العلاقات الشخصية في طلب خبرات في الصحة النفسية ، ولذلك يصدق كلام الدكتور عثمان الصيني في مقاله في جريدة الشرق حول تدهور الخدمات الصحة النفسية وما يُقدّم لهؤلاء المواطنين الذين يُعانون من سوء المعاملة وقلة الخدمات والاطقم الطبية في الصحة النفسية في جميع مدن المملكة ، حيث القلة الكبيرة في عدد الأسرّة وعدد الأطباء النفسيين العاملين في مستشفيات الصحة النفسية بمجمعات الأمل.
امنحوهم فرص عمل تتناسب مع ظروفهم
كيف نفعل مع الأشخاص الذين يُصابون بمرض نفسي أو مرض عقلي عصيب مثل مرض الفُصام ، ويؤثر هذا المرض على الشخص ، خاصةً إذا كان يعمل في وظيفة حكومية أو شركة خاصة ، وأصيب بهذا المرض وهو موظف ورب أسرة وعليه التزامات تجاه زوجة وأبناء ، فكيف نفعل ونتعامل مع هذا المريض الذي قد يصُيح غير قادر على مواصلة عمله بالطريقة التي كان يعمل بها سابقاً.
صحيح مثلاً ان مرض الفُصام يصيب الاشخاص الذين في سن المراهقة أو بداية العشرينيات من العمر ولكن قد يُصيب الأشخاض في سنٍ متأخر أي بعد سن الثلاثين.
بعض الموظفين في بعض المهن الحسّاسة مثل أن يكون المريض طياراً مثلاً أو طبيباً أو ضابطاً أو في عمل حسّاس آخر ولا يستطيع أن يُكمل عمله في هذا المجال وربما تكون هناك صعوبة في أن يجد عملا آخر ، خاصةً إذا كان المريض لديه أسرةً يعولها ، وفجأة أصيب بمرض كمرض الفُصام الذي يجعله معوّقاً ، وهذا ماقالت به منظمة الصحة العالمية في بداية القرن الحادي والعشرين بأن هناك خمسة أمراض نفسية تُسبّب الإعاقة بين الشباب ما بين سن الثامنة عشرة والخامسة والأربعين وأول هذه الامراض النفسية التي تسببب الإعاقة هو مرض الفُصام.
المرضى النفسيون والعقليون يُشكلون نسبة عالية من أفراد المجتمع
مريض الفُصام يحتاج لعلاج قد يطول لسنواتٍ طويلة وربما مدى الحياة ، والمشكلة أن التحسّن لمريض الفُصام لا يحدث دائماً حيث ان بعض المرضى – ما يُقارب من 25% تتدهور حالتهم ويُصبحون مرضى مزمنين برغم تناولهم العلاج _ لا يتحسنون مع العلاج وتتدهور حالتهم ويبقى كيف نتعامل معهم في المجتمع من جميع النواحي ، الصحية ، الاجتماعية ، الاقتصادية.
إذا كان المريض الفُصامي رجلاً متزوجاً وكان موظفاً يُعيل أسرة ، ولا يستطيع العمل مرةً آخرى ، فهناك لجان طبية وربما تقرر بأنه لا يستطيع العمل مرةً أخرى وأنه يجب أن يتقاعد على أساس طبي.
مرضى مثلاً لا يتعالجون في مستشفيات الصحة النفسية التابعة لوزارة الصحة ، ويقرر الفريق الطبي المعالج له بأنه لا يستطيع العمل ، ولكن بحكم أنه موظف مدني فإنه يتم إحالته إلى مستشفيات الأمل وفي بعض الأحيان لا يقتنع المعالجون في مستشفى الأمل بأن مريض الفُصام الذي قالت لجنة طبية في مستشفى آخر بأنه لا يستطيع العمل بهذا القرار الصادر من لجنة آخرى ، وتطلب بأن يبقى المريض الفُصامي على رأس العمل وهذا أحياناً يكون فيه ظلم للمريض بالفُصام وبالجهة الحكومية التي يعمل بها. مريض أعرفه جيداً يُعاني من الفُصام منذ سنواتٍ طويلة ويعمل في إحدى الجهات الحكومية ، وكُتب له تقرير بأنه لا يصلح لأن يعمل بسبب الأعراض الذُهانية التي يُعاني منها ولكن مستشفى الأمل رفض تقاعد هذا المريض وطلب أن يُعطى عملا خفيفا ، وهذا قد يكون جيداً ، لو أن الجهات التي يعمل فيها المرضى الفُصاميون يعرفون ما معنى مرض الفُصام ، ويُعطون المريض عملاً يساعده على الحفاظ على مهاراته الاجتماعية ، ولكن الجهات التي يعمل بها معظم المرضى الفصاميين لا يعرفون على وجه الحقيقة معنى مرض الفُصام ، وبالتالي يُطالبون المريض بأن يعمل مثل أي شخصٍ آخر ، وهذا ما لا يستطيعه المريض الفُصامي ، وبعض المدراء أو رؤساء المريض يُعاقبون المريض الفُصامي بأن ينقلونه نقلا تأديبيا ، كما حدث مع المريض الذي ذكرته قبل قليل والذي تم نقله من مكان عمله الذي يعمل به إلى عمل آخر ، وكان هذا النقل تأديبياً إلى قسم آخر ، برغم أنه مريض بالفُصام ولا يستطيع العمل ، وكان مُبرر النقل التأديبي بأنه كثير الإجازات المرضية!. وهذه بيروقراطية ليس لها ما يُبررها في التعامل مع مريض بمرض الفُصام.
الأمر الآخر وهو كيف نوصل معلومات مفيدة وعلمية حقيقية عن مرض الفُصام أو الأمراض الآخرى التي قد تُصيب الموظفين الذين يعملون في الإدارات الحكومية أو حتى الشركات الكبرى. كيف نوصل هذه المعلومات إلى المسؤولين وأصحاب القرار من المدراء ورؤوساء الإدارات والشركات وكيفية تعامل هذه الإدارات مع المرضى النفسيين الذين يُعانون من أمراض نفسية أو عقلية تؤثر على قدراتهم العقلية وتجعلهم غير قادرين على تأدية أعمالهم بالصورة المطلوبة.
لدّي عشرات المرضى الفقراء والذين يُعانون من مرض الفُصام ، والمشكلة أن بعضهم بعد أن تركوا العمل أصبح وضعهم مزرياً ، فمريض كان متزوجاً ولديه خمسة أطفال ، أصيب بمرض الفُصام ، وبالطبع بعد أن أصبح متقاعداً ، أصبح لا يأتي إلى العيادة كثيراً ، بل ان معظم مواعيده تأتي والدته بدلاً منه ، لكي تأخذ الأدوية الخاصة به ، وكذلك تركت الزوجة المنزل وذهبت إلى منزل أهلها تاركةً الأطفال الخمسة عند عائلة زوجها والتي لا يوجد سوى والدة المريض المسنة والتي وقع على عاتقها أن تقوم بتربية الاطفال ورعاية المريض (ابنها). والمشكلة طبعاً أن الظروف المادية لهذا المريض وعائلته سيئة جداً ، فالمرتب التقاعدي لا يكفي المريض وزوجته واطفاله الخمسة ، خاصةً أن المريض وعائلته لا يملكون منزلاً وإنما يستأجرون منزلاً ، وهذا يُشكّل عبئا على العائلة الفقيرة.
هنا ربما يأتي دور وزارة الشؤون الاجتماعية في مساعدة الأسر التي يُعاني بعض أفرادها من مرض الفُصام ، وربما يكون ذلك عبر الجمعيات الخيرية مثل الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الفُصام. لكن إمكانات الجمعية السعودية الخيرية للفُصام ليست كبيرة وبذلك لا تستطيع الجمعيات الخيرية من تقديم دعم مادي للمرضى وعائلاتهم ولكن ربما يمكن لجمعية الفُصام الخيرية أن تُساعد المرضى في عملهم عبر مخاطبة رؤساء ومدراء الإدارات الذين يعمل تحت إمرتهم مرضى يُعانون من مرض الفُصام.
هناك حاجة ماسة وكبيرة لتثقيف عامة الناس عن مرض الفُصام الذي لا يعرف الكثيرون عنه سوى أن المريض له أكثر من شخصية ، وبالطبع هذا لا يمثّل حقيقة هذا المرض العقلي ، الذي يُعاني فيه المريض من أعراض أحياناً قد تكون خطيرة ، مثل الهلاوس السمعية والتي قد تأمر المريض بأن يفعل أمورا قد تكون خطيرة على حياة المريض أو حياة من حوله من الأهل والأصدقاء أو الزملاء في العمل. ثمة أمر آخر وهو أن المرضى الفُصاميين قد تكون لديهم شكوك مرضية تجاه الآخرين وربما قد يحدث مالا يُحمد عقباه حين تصل هذه الشكوك المرضية إلى مرحلة خطيرة ، حين يشك المريض بأن الآخرين قد يتآمرون ضده وبالتالي قد يقوم بإيذائهم.
ثمة اضطراب آخر وهو الاضطراب الوجداني ثنُائي القطب ، وهذا المرض له قطبان ؛ أحدهما ارتفاع المزاج ويسمى الهوس ، وفي هذا الأمر يرتفع مزاج المريض ويقوم بسلوكيات غير مقبولة مثل أن يحدث عنده هوس العظمة ، وقد يتصرّف المريض بشكل على أساس أنه شخص مهم ، مثل انه إنسان عظيم ، أو انه شخص مرسل من قِبل الله لكي يبلغ رسالة إلى العباد أو أنه المهدي المنتظر أو أمور آخرى تتعلق بهذا الجنون من هوس العظمة. أيضاً قد يصرف المريض أموالاً طائلة دون مبرر ، حيث يصرف أموالاً طائلة في شراء حاجيات ليست مهمة ولا حاجة للمريض لهذه الأغراض.
أحياناً أيضاً مثل هؤلاء المرضى الذين يُعانون من الاضراب الوجداني يُصبحون غير قادرين على العمل ، ويُصبحون عالة على المجتمع ، برغم أن بعضهم يستطيعون العمل إذا كان المريض لا يُعاني من هوس شديد أو اكتئاب شديد ، وكذلك يتناول الأدوية بصورة منتظمة وبالطريقة التي وصفها له الطبيب في تناول هذا الأدوية.
هذا الأمر أيضاً يحتاج إلى توعية للاشخاص الذين يتولون إدارات فيها مرضى يُعانون من الاضطراب الوجداني تُنائي القطب ، ويجب معاملة مثل هؤلاء المرضى بشكل خاص ، ويُعطون فرص عمل تتناسب مع ظروفهم المرضية وقدراتهم العقلية والنفسية. ويجب أن يتفّهم الرؤساء في العمل قدرات الشخص المصاب بالاضطراب الوجداني ثُنائي القطب ، فبعض الأشخاص الذين يُعانون من الاضطراب الوجداني ثُنائي القطب لديهم قدرات خاصة متميزة ، وإذا تم الاستفادة منهم فقد يُبدعون وذلك يعود بالنفع على الإدارة أو الجهة الحكومية التي يعمل بها.
في نهاية المقال يجب أن نقول بان هناك نقصاً وعدم وعي في الأمراض النفسية من قِبل بعض المسؤولين والذين يعمل تحت إدارتهم مرضى نفسيون ، وهذا قد يعود بالتعامل السلبي من قِبل بعض المسؤولين مع المرضى النفسيين ، ونأمل من المسؤولين التعاون مع الأطباء المعالجين لمرضاهم الذين يعملون تحت إدارتهم لكي يمكن التفاهم لما فيه مصلحة المريض وعائلته وكذلك على المجتمع ككل.