رمضان في المغرب
يمكن لأي مسلم يعيش في المغرب العربي أن يلاحظ مدى احتفاء الشعب
المغربي بقدوم شهر رمضان المبارك ويظهر هذا جليا في الأيام الأخيرة
من شهر شعبان حين يبدأ استعداد هذا الشعب لاستقبال شهر الصوم في
وقت مبكر ومن تلك المظاهر تحضير بعض أنواع الحلوى الأكثر استهلاكا
والأشد طلبا على موائد الإفطار
وبمجرد أن يتأكد دخول الشهر حتى تنطلق ألسنة أهل المغرب بالتهنئات
قائلين : ( عواشر مبروكة ) والعبارة تقال بالعامية المغربية وتعنـــــــي
( أيام مباركة ) مع دخول شهر الصوم بعواشره الثلاثة : عشر الرحمة
وعشر المغفرة وعشر العتق من النار0
ثم إنك ترى الناس يتبادلون الأدعية والمباركات والتهاني فيما بينهــــم
سرورا بحلول الضيف الكريم الذي يغير حياة كثير من الناس تغييرا
كليا0
وكما هو المعهود فإن شهر رمضان يعد فرصة عظيمة للتقارب والصلة
بين الأرحام بعد الفراق والانقطاع فلا عجب أن ترى المحبة ومباهـــــج
الفرح والسرور تعلو وجوه الناس وتغير من تقاسيمها وتعبيرها بعد أن
أثقلتها هموم الحياة0
ويستوقفنا التواجد الرمضاني الكثيف داخل المساجد بالمصلين لا سيمـا
صلاة التراويح وصلاة الجمعة إلى حد تكتظ الشوارع القريبة من المساجد
بصفوف المصلين مما يشعرك بالارتباط الوثيق بين هذا الشعب وبين
دينه وتمسكه بقيمه ومبادئه0
هذا وتشرف وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية هناك على ما يسمى
بالدروس الحسينية الرمضانية وهي عبارة عن سلسة من الدروس
اليومية تقام خلال أيام الشهر المبارك بحضور كوكبة من العلماء و
الدعاة وتلقى هذه الدروس اهتماما من الأفراد لما يلمسونه من أهمية
لهذه الدروس ومدى ارتباطها بواقعهم واجابتها عن أسئلتهم وتقوم
وزارة الأوقاف بطباعة هذه الدروس وتوزيعها إتماما للفائدة0
ليالي رمضان عند المغاربة تتحول إلى نهار فبعد أداء صلاة العشاء
ومن ثم أداء صلاة التراويح يسارع الناس إلى الاجتماع واللقاء
لتبادل أطراف الحديث وهنا يبرز " الشاي المغربي " كأهم عنصر من
العناصر التقليدية المتوارثة ويحكي المهتمون من أهل التاريخ عن
عمق هذه العادة وأصالتها في هذا الشعب الكريم وظلت هذه العادة
تتناقل عبر الأجيال0
وفي بعض المدن المغربية تقام الحفلات والسهرات العمومية في
الشوارع والحارات ويستمر هذا السهر طويلا حتى وقت السحر0
وهنا نقول : إن شخصية ( النفار ) أو ( المسحراتي ) كما يسميه أهل
المشرق لا تزال ذات حضور وقبول فعلى الرغم من وسائل الايقاظ
التي جاد بها العصر فان ذلك لم ينل من مكانة تلك الشخصية ولم
يستطيع أن يبعدها عن بؤرة الحدث الرمضاني حيث لا زالت حاضرة
في كل حي وفي كل زقاق يطوف بين البيوت قارعا طبلته وقت السحر
مما يضفي على هذا الوقت طعما مميزا ومحببا لدى النفوس هناك0
وبعد صلاة الفجر يبقى بعض الناس في المساجد بقراءة القرآن و
أذكار الصباح والمساء بينما يختار البعض الآخر الجلوس مع أصحابه
في أحاديث شيقة لا تنتهي إلا عند طلوع الشمس عندها يذهب الجميع
للخلود إلى النوم بعد طول السهر والتعب0
الفترة ما بين صلاة الفجر والظهر تشهد فتورا ملحوظا وملموسا حيث
تخلو الشوارع من المارة والباعة على السواء لكن سرعان ما تدب
الحياة في تلك الشوارع وينشط الناس بعد دخول وقت العصر خصوصا
في الأسواق لشراء المستلزمات الخاصة بالافطار من الحلويات و
الفواكه وغيرها من المواد التموينية المهمة مما يسبب زحاما شديدا
في المحلات التجارية وعند الباعة المتجولين0
يفضل أكثر الناس الافطار في البيوت إلا أن هذا لا يمنع من إقامة
موائد الافطار الجماعية في المساجد من قبل الأفراد والمؤسسات
لا سيما في المناطق النائية والقرى والبوادي0
وفيما يتعلق بالافطار المغربي فان ( الحريرة ) يأتي في مقدمها بل إنها
صارت علامة على شهر رمضان ولذلك فإنهم يعدونها الأكلة الرئيسية
على مائدة الافطار وهي عبارة عن مزيج لعدد من الخضار والتوابل
تقدم في أنية تقليدية تسمى : " الزلايف " ويضاف إلى ذلك الزلابية
والتمر والحليب والبيض مع تناول الدجاج مع الزبيب0
في المغرب العربي هناك عادات وتقاليد خاصة بشهر رمضان المبارك
حيث يكون التحضير له بشهر قبل حلوله يترقب المغاربة النساء
خاصة 15 من شعبان ليكون في سباق مع الزمن لتحضير الطبق
الرئيسي في كل المملكة وهو الشباكية حلوى مشهورة تصنع في كل
البيوت انها من التراث المغربي الأصيل وهناك نوع آخر من الشباكية
تسمى سباكيتي وهناك سليلو أيضا0
وتسمع بين كل الناس التهنئة بحلول شهر رمضان ونقول لكل من صادفنا أو نعرفه ( عواشر مبروكة ) وتكون الأجواء مختلفة يملؤها الفرح والسرور لاستقبال شهر رمضان0 وجرت العادة في ليلة مراقبة الهلال أن تطلق طلقات المدفع ويعلن شيخ رمضان بالمزمار فما أن نسمع مزمار الشيخ في التلفاز أو الأزقة حتى نعلم أننا سنتسحر 0 يبدأ أول أيام شهر رمضان بعد الظهر تجد النساء يدخلن المطبخ لتحضير الشربة المغربية ( الحريرة ) وبعض الأكلات الأخرى مثل : البغرير مدهون بالعسل الأصيل والزبدة وهذا حسب الرغبة0 وكذلك محشي ( المملحات ) حسب الرغبة0 الرغايف أو المسمن والرزيزة أو رزة القاضي وفطائر رقيقة محشية وبربوات باللوز والعسل والبطبوط أو رغيف صغير محشي حسب الرغبة إما باللحم المفروم أو الكبد أو التونة والزيتون0 وطبقا الشعب المغربي من عشاق البيتزا ويتفنون في تحضيرها هناك من الناس من يفضل أكل السمك المقلي ويكون عليه طلب كبير0 ومع قرب انتهاء هذا الشهر المبارك تختلط مشاعر الحزن بالفرح الحزن بفراق هذه الأيام المباركة بما فيها من البركات ودلائل الخيرات والفرح بقدوم أيام العيد السعيد وبين هذه المشاعر المختلطة يظل لهذا الشهر أثره في النفوس والقلوب وقتا طويلا[/img]