البخاري:
هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرةبن بردزبه الجعفي-مولاهم- الفارسي الأصل.و كلمة بَذْدُزْبَه لفظة بخارية معناها الزراع.
يقال أن المغيرة كان مجوسيا و أسلم على يد اليمان الجعفي والي بخاري و طلب إسماعيل بن إبراهيم العلم. كان البخاري نحيف الجسم ليس بالطويل و لا بالقصير.
سمع عن البخاري رحمة الله عليه يقول: سمع أبي من مالك بن أنس (ولدفي 93هـ, و توفي في 179 هـ), و رأى حماد بن زياد, و صافح ابن المبارك بكلتا يديه.
مكان و تاريخ الولادة:
ولد في الرابع من شوال سنة 194 هجرية الموافق لـ 20يوليو 810 ميلادية, في بخاري أوزبكستان. مات أبوه و هو صغير فنشأ في كنف أمه.
أصيب البخاري بالعمى (فقد بصره) في صغره, فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل عليه السلام, فقال لها: يا هذه, قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك أو كثرة دعائك فأصبح و قد رد الله عليه بصره.
العصر:
القرن الثالث للهجرة.
رحلته العلمية:
كان منذ صغره مولع بالحديث روي عن محمد بن أبي حاتم قال: قلت لأبي عبد الله (البخاري), كيف كان بدء أمرك؟, قال: ألهمت حفظ الحديث و أنا في الكتاب. فقلت: كم كان سنك؟, فقال: عشرة سنين أو أقل. ثم خرجت من الكتاب بعد العشر, فجعلت أختلف إلى الداخلي و غيرة. فقال يوما فيما كان يقرأ للناس:سفيان(يعني ابن عيينة), عن أبي الزبير (يعني محمد بم مسلم بن تَدْرُس), عن إبراهيم(النخعي), فقلت له: إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم. فانتهرني, فقلت له: ارجع إلى الأصل, فدخل فنظر فيه ثم خرج, فقال لي: كيف هو يا غلام؟, فقلت: هو الزبير بن عدي,عن إبراهيم, فأخذ القلم مني و أحكم كتابه و قال: صدقت. فقيل للبخاري: ابن كم كنت حين رددت عليه؟, قال: ابن احدي عشرة سنة.
ولما بلغ من العمر ست عشرة سنة كان قد حفظ كتب ابن المبارك و وكيع, و قرأ الكتب المشهورة حتى قيل انه كان يحفظ و هو صبي سبعين ألف حديثاً سنداً و متناً.
و كان يختلف مع الفقهاء بمرو و هو صبي فإذا جاء استحي أن يسلم عليهم, فقال له مؤدب من أهلها: كم كتبت اليوم؟, فقلت: اثنين يعني حديثين, فضحك من حضر المجلس, فقال شيخ منهم: لا تضحكوا فلعله يضحك منكم يوما !!.
و دخل علي الحميدي و هو ابن ثمان عشرة سنة و بينه و بين أخر خلاف في حديث, فلما رأي الحميدي البخاري قال: قد جاء من يفصل بيننا, فعرضوا عليه فقضي للحميدي علي من يخالفه لكن مخالفه أصر علي خلافه حتى مات عليه.
بدأ رحلة طلب العلم في مسقط رأسه بخاري حيث سمع عن الجعفي المسندي و محمد بن سلام البيكندي و جماعة ليسوا من كبار الشيوخ. بعد ذلك رحل إلي مدينة بلخ (مدينة صغيرة في ولاية بلخ أفغانستان تبعد عن مزار الشريف بـ20 كم) و سمع فيها من مكي بن إبراهيم البلخي (توفي 215 هـ) و هو من كبار شيوخه, أما في مدينة مرو (عاصمة منطقة ماري في تركمانستان) فسمع عن عبدان بن عثمان (توفي 221هـ) و علي بن الحسن بن شقيق (ولد 137 هـ و توفي 215 هـ) و صدقة بن الفضل (ولد 150 هـ و توفي 223 هـ), وبنيسابور سمع من يحي بن يحي النيسابوري (ولد 142 هـ أو 152 هـ) و جماعة من العلماء, و في الري (مدينة قرب طهران إيران فتحت في عهد عمر بن الخطاب رضي اللهعنه) سمع من إبراهيم بن موسى.
يقول البخاري: حججت, و رجع أخي و أمي, و تخلفت فيطلب الحديث فلما طعنت في ثمان عشرة, جعلت أصنف قضايا الصحابة و التابعين وأقاويلهم, و ذلك أيام عبد الله بن موسى, و صنفت كتاب التاريخ إذ ذاك في المدينة في الليالي المقمرة, و قل اسم في التاريخ إلا و له قصة إلا أنني كرهت تطويل الكتاب.
أخذ إسحاق بن راهويه كتاب التاريخ الذي صنفه البخاري فأدخله علي عبد الله بن طاهر (حاكم خرسان), فقال: أيها الأمير الا أريك سحراً؟, قال: فنظر فيه عبد الله فتعجب منه و قال: لست أفهم تصنيفه.
يقول البخاري عن تصنيفه لكتاب التاريخ: لو نشر بعض أستاذي هؤلاء لم يفهموا كيف صنفت كتاب التاريخ و لا عرفوه, ثم قال: صنفته ثلاث مرات.
و يقول كنت عند إسحاق بن راهويه (161 هـ مكة -238هـ نيسابور), فقال بعض أصحابنا: لو جمعتم كتابا مختصرا لسنن النبي صلى الله عليه وسلم, فوقع ذلك في قلبي, فأخذت في جمع هذا الكتاب(يقصد صحيح البخاري).
أخرجت هذا الكتاب من زهاء ستمائة ألف حديث.
صنفت كتاب الصحيح في ست عشرة سنة, و جعلته حجة فيما بيني و بين الله تعالى.
ما وضعت في كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك و صليت ركعتين.
ما أدخلت في هذا الكتاب إلا ما صح, و تركت من الصحاح كي لا يطول الكتاب.
و في الصحيح سبعة آلاف و مائتان و خمسة وسبعون(7275) حديثاً و أربعة آلاف بحذف المكرر.
دخل البخاري العراق في أواخر سنة 210 هـ و كان عازم المشي إلي عبد الرزاق صاحب المصنف فبلغه وفاته.
و يقول البخاري دخلت بغداد ثمان مرات في كلها أجالس أحمد بن حنبل, فقال في آخر ما ودعته: يا أبا عبد الله, تَدعُ العلم و الناس و تصير إلي خٌرسان؟, قال: فأنا الآن أذكر قوله.
دخل البخاري نيسابور سنة 209 هـ, و آخر مرت دخلها سنة 250 هـ فأقام بها خمسة سنين يحدث علي الدوام.
يروي أن البخاري لما مات أبوه ورث و أخوه أحمد مال أبيهم و كان ألف ألف درهم, أنفق البخاري كل ماله الذي ورثه في طلب العلم حتى أفلس و لم يجد ثوبا يلبسه.
يقول: خرجت إلى ادم بن أبي إياس(شيخ البخاري),فتخلفت عني نفقتي حتى جعلت أتناول الحشيش, و لا أخبر بذلك أحدا, فلما كان اليوم الثالث أتاني آت لم أعرفه فناولني صرة دنانير و قال: أنفق على نفسك.
قال محمد الوراق: سمعت النجم بن الفضيل يقول: رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في النوم كأنه يمشي و محمد بن إسماعيل(البخاري) يمشي خلفه, فكلما رفع النبي صلى الله عليه و سلم قدمه وضع محمد بن إسماعيل قدمه في المكان الذي رفع النبي صلى الله عليه و سلم قدمه.
و قال محمد بن حمدون بن رستم: سمعت مسلم بن الحجاج(صاحب الصحيح, 206هـ - 261 هـ), و جاء إلي البخاري فقال: دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين, و سيد المحدثين, و طبيب الحديث في علله.
و قال أبو عيسى الترمذي: كان محمد بن إسماعيل(البخاري) عند عبد الله بن منير (عبد الرحمن المروزي), فلما قَام مِنْ عِنْده قال له: جعلك الله زَيْنَ هذه الأمة. قال الترمذي: استُجيب له فيه.
قال أبو جعفر محمد بن أبي حاتم: سمعت بعض أصحابي يقول: كنت عند محمد بن سلام، فدخل عليه محمد بن إسماعيل،فلما خرج قال محمد بن سلام: كلما دخل علي هذا الصبي تحيّرْتُ، وأُلبِسَ عليَّ أمرُ الحديثِ وغيره. ولا أزالُ خائفا ما لم يخرج .
قال أبو جعفر (الورّاق): سمعت يحيى بن جعفر يقول: لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل من عمري لفعلت، فإن موتي يكون موتَ رجلٍ واحد، وموته ذهابُ العِلْمِ. وقال لمحمد بن إسماعيل يوماً : لولا أنت ما استطبتُ العيْشَ ببخارى.
وقال أبو سعيد حاتمبن أحمد الكندي : سمعت مسلم بن الحجاج(صاحب صحيح مسلم) يقول : لما قدم محمد بن إسماعيل نيسابور ما رأيت واليا ولا عالما فعل به أهل نيسابور ما فعلوا به ، استقبلوه مرحلتين وثلاثة . فقال محمد بن يحيى في مجلسه : من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غدا فليستقبله. فاستقبله محمد بن يحيى(الذُّهلي) وعامة العلماء ، فنزل دار البخاريين ، فقال لنا محمد بن يحيى : لا تسألوه عن شيء من الكلام ، فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن فيه ، وقع بيننا وبينه، ثم شَمِتَ بنا كل حروري ، وكلُّ رافضي ، وكلّ جهْمي ، وكل مُرجِئ بِخراسان .قال: فازدحم الناس على محمد بن إسماعيل ، حتى امتلأ السّطحُ والدّار] فحسده بعض من كان في ذلك الوقت من مشايخ نيسابور لما رأوا إقبال الناس إليه ، واجتماعهم عليه، فقال لأصحاب الحديث : إن محمد بن إسماعيل يقول : اللفظ بالقرآن مخلوق ، فامتحنوه في المجلس]، فلمّا كان اليوم الثاني أو الثالث، قام إليه رجلٌ ]فقال : يا أبا عبد الله ، ما تقول في اللفظ بالقرآن ، مخلوق هو أم غير مخلوق ؟ فأعرض عنه البخاري ولم يجبه . فقال الرجل : يا أباعبد الله ، فأعاد عليه القول ، فأعرض عنه . ثم قال في الثالثة، فالتفت إليه البخاري، وقال: القرآن كلام الله غير مخلوق، و أفعال العباد مخلوقة و الامتحان بدعة. فشغب الرجل، و شغب الناس، وتفرقوا عنه [ فقال بعض الناس: قال: لفظي بالقرآن مخلوق، وقال بعضهم: لم يقل، حتى تواثبوا، فاجتمع أهل الدار، و أخرجوهم. ولم يبقى مع الإمام البخاري سوى الإمام مسلم وأحمد بن سلمة(الحافظ ، الحجة ، العدل ، المأمون ، المجود أبو الفضل النيسابوري البزاز، رفيق مسلم في الرحلة).
قال غنجار في" تاريخه " : سمعت أبا عمرو أحمد بن محمد المقرئ ، سمعت بكر بن منير بن خليد بن عسكر يقول : بعث الأمير خالد بن أحمد الذهلي والي بخارى إلى محمد بن إسماعيل أن احمل إلي كتاب " الجامع " و " التاريخ " وغيرهما لأسمع منك . فقال لرسوله : أنا لا أذل العلم ، ولا أحمله إلى أبواب الناس . فإن كانت لك إلى شيء منه حاجة، فاحضر في مسجدي، أو في داري. وإن لم يعجبك هذا فإنك سلطان ، فامنعني من المجلس، ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة ، لأني لا أكتم العلم ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من سئل عن علمٍ فكتمهُ ألجِم بلِجامٍ من نار" فكان سبب الوحشة بينهما هذا.فاستعان الأمير بحريث بن أبي الورقاء وغيره ، حتى تكلموا في مذهبه، ونفاه عن البلد ، فدعا عليهم ، فلم يأت إلا شهر حتى ورد أمر الطاهرية ، بأن ينادى على خالد في البلد ، فنودي عليه على أتان. وأما حريث ، فإنه ابتلي بأهله ، فرأى فيها ما يجل عن الوصف . وأما فلان ، فابتلي بأولاده ، وأراه الله فيهم البلايا .
وقال الحاكم : حدثناخلف بن محمد ، حدثنا سهل بن شاذويه قال : كان محمد بن إسماعيل يسكن سكة الدهقان ، وكان جماعة يختلفون إليه ، يظهرون شِعار أهل الحديث من إفْراد الإقامة ، ورفع الأيدي في الصلاة وغير ذلك . فقال حريث بن أبي الورقاء وغيره : هذا رجل مُشَغِّبٌ ، وهو يفسد علينا هذه المدينة ، وقد أخرجه محمد بن يحيى من نيسابور ، وهو إمام أهل الحديث ، فاحتجوا عليه بابن يحيى ، واستعانوا عليه بالسلطان في نفيه من البلد ، فأخرج . و كان محمد بن إسماعيل وَرِعاً ، يتجنّب السلطان ولا يدخل عليهم .
وقال محمد بن مكي الجرجاني: سمعت عبد الواحد بنادم الطواويسي يقول: رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في النوم, و معه جماعة من أصحابه و هو واقف في موضع, فسلمت عليه فرد علي السلام, فقلت: ما وقوفك يا رسول الله؟,قال: أنتظر محمد بن إسماعيل البخاري. فلما كان بعد أيام بلغني موته, فنظرت فإذا قدمات في الساعة التي رأيت النبي صلى الله عليه و سلم فيها.
مكان و تاريخ الوفاة :
توفي رحمة الله عليه ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة عيد الفطر سنة 256 هجرية الموافق لـ 1 سبتمبر870 ميلادية, عن عمر ناهز 62 سنة , في خَرْتَنْك بلدة علي فرسخين من سمرقند بأوزبكستان.
تأثر بــ :
مالك بنأنس, أحمد بن حنبل.
تأثر به :
مسلم بن الحجاج صاحب صحيح مسلم, الترمذي صاحب سنن الترمذي, النسائي صاحب سنن النسائي.