يوسف المغلوب على أمره يصبح عليه السلام عزيز مصر
يثير أسلوب القرآن في إفراد سورة طويلة كاملة ليوسف عليه السلام في النفس العجب،
فهو يأتي بكل التفاصيل عن حياته؛ منذ كان صغيرًا مدللاً في حجر والده إلى نهاية أمره عزيزًا لمصر 00
وبعد ذلك لا يُذكر عن يوسف عليه السلام شيء خارج السورة التي سميت باسمه،
إلا أنه من ذرية نوح مع عدد من الأنبياء، في سورة الأنعام، وأنه جاء أهل مصر بالبينات على لسان مؤمن آل فرعون في سورة غافر،
بينما يفرد لنوح عليه السلام سورة كاملة عنه مسماة باسمه، لكن يكرر ذكر نوح عليه السلام في (27) سورة أخرى0
يوسف عليه السلام جاء اسمه من الأسف، والأسف الندم، والحزن على شيء قد فات، أو شيء مؤلم حدث له،
ولما لم يكن ليوسف حول ولا قوة فيما جرى له جاء اسمه ليدل على حاله وأسفه لما حل به0
وإذا استعرضنا سيرة يوسف عليه السلام نجد أن اسمه هو عنوان كتاب حياته؛
فقد حبسه أبوه في البيت صغيرًا، ومنعه من اللعب مع إخوته،
ولما خرج به إخوته بعيدًا عن والده تحكموا فيه فجعلوه في غيابة الجب،
ولما أخرجته السيارة (القافلة التجارية) أسروه بضاعة، وباعوه في مصر بثمن بخس دراهم معدودة،
واستخدمه عزيز مصر الذي اشتراه خادمًا لزوجته محبوسًا في بيتها على طاعتها،
وهي التي أرادت التحكم فيه تلبية لشهوتها، فعصمه الله من كيدها وإغرائها،
ثم لما رأته النسوة في مجلس امرأة العزيز أبدين رغبتهن فيه، فمددن أيديهن إليه،
وأردن التحكم فيه كما فعلت امرأة العزيز من قبل، فصرف الله كيدهن عنه،
فقطعن عنه أيديهن بالسكاكين التي وزعتها امرأة العزيز عليهن،
ولما رأى القوم فتنة النساء به، أودعوه السجن بلا ذنب اقترفه، وبعد سنوات عندما علم الملك بخبره بعد تأويله لرؤيا الملك، أراد أن يتحكم فيه، ويختص به من دون الناس،
ثم هو يكلف بمهمة وخطة تدوم خمسة عشر عامًا لإنقاذ أهل مصر من المجاعة، وذلك بعد أن أوَّل رؤيا الملك بما سيكون في الأعوام القادمة وماذا يجب عليهم فعله0
فنرى في سيرة يوسف عليه السلام أنها كلها تحكم في تحكم، يتنقل بين أيدي الذين تحكموا فيه، الواحد تلو الآخر،
وهذا التحكم هو الذي غلب على بقية المذكورين في السورة،
فحنان الأبوة غلب يعقوب عليه السلام ، فحبس يوسف عليه السلام في البيت ، ومنعه من الخروج للعب مع إخوته،
ثم غلبه الحزن عليه حتى ابيضت عيناه فهو كظيم،
وتغلبت الغيرة على إخوة يوسف عليه السلام حتى زين لهم قتله، أو إبعاده، فمكروا به، وألقوه في غيابة الجب،
وغلب حب الكسب في التجارة على السيارة، فأسروه بضاعة حتى لا يكتشف أحد أمرهم معه، وباعوه في مصر بدراهم معدودة،
وغلبت الشهوة على امرأة العزيز، والنسوة في المدينة؛ نساء عِلْيَة القوم، فأردن يوسف عليه السلام وراودنه عن نفسه ليقع بهن،
وغلب حب العزيز لزوجته، فغفر لها ذنبها،
وغلب حب التملك على الملك، فأراد أن يستأثر بيوسف عليه السلام لنفسه،
وأخيرًا غلبت سنون القحط أهل مصر جميعًا، فكانت الخطة والمهمة الصعبة التي وضعت لكي ينجو أهل مصر من الهلاك فيها0
من هذا ندرك لماذا جاءت قصة يوسف عليه السلام دفعة واحدة بكل تفاصيلها،
لأن من طبع الناس حبهم تكرار قصص الأقوياء، ولا يحبون تكرار قصص الضعفاء والمغلوبين على أمرهم كيوسف عليه السلام،
حتى ولو كانت نهايتهم سعيدة 00
فلعلم الله عز وجل بخلقه، وحكمته جاء بتفاصيل قصة يوسف عليه السلام وسيرته كاملة حتى لا تتكرر مرة أخرى 00
وكان إعجاز القرآن الكريم هو الذي يجعل الإنسان يتفاعل مع هذه القصة المخلدة بكلمات الله، وليس بكلمات غيره، ولا يمل من يتلوها كثرة تكراره لها،
فعظمت الله عز وجل وقدرته تجلت في جعل ما يكره الناس تكراره أحسن القصص000
ومع قدرة الله عز وجل المعجزة إلا أنه سبحانه وتعالى راعى في الحديث عن يوسف عليه السلام سبب تسميته 000 فهو سبحانه الذي علم أبونا آدم عليه السلام الأسماء كلها0
سؤالان يحتاجان إلى إجابة شافية:
كيف لنبي أن يعمل تحت إمرة حاكم كافر؟
ما حقيقة قطع النسوة أيدهن بعد رؤيتهن ليوسف عليه السلام؟